Tuesday, April 12, 2011

عناصر المشروع الإسلامى وغياب التفاصيل

لو أردنا أن نلخص أهم ملامح وعناصر المشروع الإسلامى فى خطوطها العريضة فيمكننا أن نوجزها فى نقاط ثلاثة:

1- الاهتمام بالفرد الإنسان
----------------------
كيف يكون الفرد عنصرا فاعلا فى المشروع الإسلامى؟، وجدير قبل أن نجيب على هذا السؤال أن نربط به سؤالا آخر وهو لماذا يعادى الغرب الإسلام؟
فالمسلمون ولاشك أضعف فى الفترة الحالية من الغرب فى شتى المجالات سياسية كانت أو اقتصادية أو عسكرية أو علمية أوحتى حضاريا.

والإجابة على هذين السؤالين، تكمن أن الإسلام لديه القوة السحرية القادرة على قلب الموازين وصنع المستحيلات، وهى الفرد المسلم.
فالإسلام أول ما يعنى به هو زرع عقيدة والإيمان فى قلب الفرد المسلم، عقيدة راسخة لا تهتز أمام المصائب والنوائب والنكبات، وإنما تدفعه دوما للعطاء والعمل والاستمرار فى بذل الجهد والتضحية، دون أن يرى ثمارا لعمله وجهده بالضرورة، ولكن ربما تتأخر الثمرة لاحقا وقد لا يراها هو وانما تتنعم بها الأجيال من خلفه.

عقيدة وإيمان بالرغم من بساطتها ووجودها فى كل إنسان بالفطرة، ولا سيما المسلم الذى يحيا بها ويعمل لها، إلا أنها تحتاج إلى كتب وأبحاث لشرحها لهؤلاء الذين يتعجبون من أفاعيلها فى شخصية الفرد المسلم، وتأثيرها فى المجتمعات المسلمة.
إذا ففرد بمثل هذه العقيدة، ونهل من نبع الإسلام الصافى، فتعلم منه دور المسلم وواجبه فى هذه الحياة من إعمار لها، واستخلاف فى الأرض، يدافع فيها عن المظلومين وينشر فيها تعاليم دينه فى ربوع العالمين.
وتعلم من نبع دينه الأخلاق والصفات التى يجب أن يتحلى بها فى معاملاته وتحركاته.

وتعلم كيف ان عليه دور فى عزة امته ورفع رايتها، بإتقانه لعمله، والسعى الدؤوب لتحصيل كل علم يرفع مقامها بين الأمم. بل ويبادر ويكتشف ويبتكر، وهو انما من كل ذلك ينطلق من عقيدته تحثه على التفكير واستخدام العقل والابتكار.

وتعلم كيف يمزج القوة بالعدل، والغضب بالحلم، وكيف يضبط مشاعره وانفعالاته.

بالتأكيد هذا الفرد قادر على أن يصنع المستحيلات، وقادر إن استيقظ هذا الإيمان المخدر فى قلبه على أن يعيد الأمة الإسلامية فوق كل الأمم سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلميا، ولكنها فى ذلك الحين ستكون أمة عظيمة، لا تقتات على ضعف الأمم كما تفعل الأمم التى تعد الآن فى ميزان السياة دولا عظمى.

2- فلسفة الحل الإسلامى وضع الأطر والقواعد العامة وترك التفاصيل.
------------------------------------------------------------

الإسلام ظهر أول ما ظهر من 14 قرنا من الزمان، فى بادية صحراوية هى شبه الجزيرة العربية، فكيف يمكن للمشروع الإسلامى أن يتفق مع معطيات القرن الحادى والعشرين، ويتفق مع البلدان والشعوب المختلفة فى العادات والتقاليد وطبيعة حياة؟!!

إجابة هذا التساؤل هى نقطة تميز للحل الإسلامى، فالمشروع الإسلامى يتميز بمرونة شديدة لا توافق فحسب اختلاف الزمان والمكان، بل وأيضا توافق اختلاف الشخصيات بين أفراد المجتمع الواحد.

ففلسفة الحل الإسلامى تعتمد على وضع الأطر العامة والقواعد والخطوط العريضة التى تحكم الموضوع، ثم تترك التفاصيل والبرامج التفصيلية للأفراد كل على اختلاف بيئته وزمانه ومكانه، ومعطيات ووسائل عصره.

وتتدرج هذه الخطوط العريضة من جانب لآخر فى جوانب المجتمع والفرد.

فى العبادات تفاصيل أكثر
............................
فعلى صعيد العبادات وعلاقة العبد بربه، تكون الأمور واضحة إلى أبعد الحدود متضمنة التفاصيل بالإضافة للضوابط والخطوط العريضة.
فالإسلام وضح ضوابط الصلاة ثم تفاصيلها من عدد ركعات وكيفية سجود وركوع وقيام، وماذا يقال فى أذكار الأحوال، ومدة الصيام ومبطلاته، ونصاب الزكاة ومواعيدها وهكذا.
وبالرغم من أن الإسلام منذ 14 عشر قرنا قد استغرق فى تفاصيل العبادات، إلا أنه مع مرور السنين بل والقرون وتغير وسائل والعصر، فإنه مازال وسيظل الإسلام قادرا على استيعاب التغير الزمنى والمكانى، مع الحفاظ على هذه التفاصيل الدقيقة.

فى مجال المعاملات
......................
وفى مجال المعاملات، تقل التفاصيل التى تحكم علاقة الفرد بالآخرين، ولكن تبقى الضوابط العامة، من وجوب بر الوالدين والإحسان لهما، والمودة والرحمة بين الزوجين، وصلة الرحم، والإحسان للجيران، والدعوة للتسامح فى التعاملات التجارية والقضائية، وأن يكون المسلم لين الجانب للمسلمين " ... رحماء بينهم..."، وبر والعدل تجاه من يعايشون المسلمين وهم على غير دينهم " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين".
فالإسلام لم يحدد أشكال بر الوالدين، الذى ربما يتمثل فى هدية أو مكالمة هاتفية أو سفر لزيارتهم، او رسالة بريدية أو بالبريد الإليكترونى أو حتى رسائل قصيرة عبر الهواتف المحمولة. تاركا التفاصيل بحسب اختلاف المكان والزمان ووسائل العصر. وهكذا القياس على باقى أمور المعاملات.

السياسة وأمور الحكم
..........................
وتجد هامش التفاصيل يقل أكثر فأكثر مع أمور الدولة والحكم والجوانب السياسية والاقتصادية، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنتم أعلم بأمور دنياكم"، ولكن تبقى الضوابط والحدود العامة مرسومة واضحة، فهذه الأمور لا تخرج عن بأى حال عن أخلاقيات المجتمع المسلم وقيمه وحدوده واطره العامة، بالاضافة لضوابطها الخاصة.

وفى مجال الاقتصاد
........................
حدد الإسلام محاذير عامة مثل منع الربا والاحتكار، والغش والاتجار بالمحرمات و..
وأمر باخراج الزكاة، وحث المجتمع على رعاية الأيتام والمساكين، وتحرى الكسب الحلال
ولكنه فى ذات الوقت ترك التفاصيل لاقتصاديات السوق وللبيئة التى يطبق فيها المشروع الإسلامى، لم يحدد هل تبنى المؤسسات المالية على البنوك أو المصارف أو تشغيل الأموال، لم يحدد الخصخة أو بقاء الشركات تابعة للدولة وللقطاع العام، لم يحدد تعويم العملة المحلية أم دعمها ..
فعلى كل مجتمع مسلم وقائمون على الحل الإسلامى دراسةكل أمر من الأمور المستجدة فى عصرهم ودولهم، وقياسها وفق الضوابط العامة ووفق قواعد فقهية مختلفة تحكمها جلب المصالح ودرء المفاسد.

وفى مجال الحكم والدولة.
..............................
وضع ضوابط الشورى والعدل والمساواة، ومسؤلية الحاكم، ووجوب نصحه والأخذ على يديه إن كان ظالما.
وحث الحاكم على القيام بدوره ومسؤلياته، وجعل من السبعة الذى يظلهم الله بظله كما اخبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم" .. وإمام عادل".
ولكن الإسلام لم يحدد شكل نظام الحكم على هو ملكى دستورى أم جمهورى برلمانى أو .. أو ..
ولم يحدد آليات اتخاذ الشورى هل عبر استفتاءات عامة أو مجالس منتخبة تنوب عن الشعب والأفراد.
وشكل المعارضة سواء كانت بالأحزاب أو المقالات الصحافية أو المظاهرات السلمية أو ...

وفى مجال الحروب
......................
وضع القيم والأسس العامة، وموجبات القتال وضوابطه. ولكنه ترك حرية التخطيط العسكرى، واستخدام وسائل وأسحلة العصر"وأعدوا لهم من قوة ومن رباط الخيل ..."
وقس على ذلك فى شتى المجالات فى التعليم، فى المجال العلمى، فى الثقافة العامة، فى مجال الصحة، فى المجال الجتماعى، فى العلاقات الدولية....
وبهذا يشعر الفرد أنه يعيش فى منظومة متكاملة، دولة تعينه على توطيد علاقته بربه وتعينه على عباداته.
وعلاقة بربه تدفعه للنهوض بمجتمعه وتطويره والرقى به، والبذل والتفانى والاتقان فى عمله.
منظوومة تشعر فى كل ركن من أركانها بوجود سمة عامة تربط كل أجزائها بعضها البعض.

3- استخدام الوسائل الحديثة ومعطيات العصر.
-----------------------------------------

بعد أن يعد الإسلام الفرد اعدادا جيدا ويربيه على معانى الاتقان والاخلاص فى العمل، ويزكى فيه روح التميز والابداع، ثم يضع له الضوابط والحدود والأطر العامة، يقوم الفرد باستخدام وتطويع الوسائل الحديثة ومعطيات العصر فى حدود الضوابط.
ويسعى خلف الحكمة أينما كانت، فهى ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها.
ولا يقتصر دور الفرد فى المشروع الإسلامى فقط على اعادة صياغة وسائل العصر بما يناسب الضوابط التى رسمها له الإسلام، بل يسعى هو ابتداء لابتكار تلك الوسائل الحديثة واستخدامها.

ومن التاريخ نذكر بعضا من المواقف التى تشير إلى استيعاب المسلمين للوسائل المفيدة مهما اختلفت مصادرها.

1- فى عهد رسول الله واقتراح سيدنا سلمان بحفر الخندق، وبالفعل قام المسلمون بحفر الخندق حول المدينة، هذه الفكرة التى لم يكن يعلمها العرب وإنما اقترحها سيندا سلمان الفارسى نقلا عن دولته فارس والتى كانت تشق الخنادق فى الحروب. لم يقل المسلمون حينها أن فارس تعبد النار ولا ينبغى أن نستخدم أفكارها.

2- فى عهد الخليفة الراشد الثانى عمر بن الخطاب، وقد نظر فى كيفية تنظيم الدولة الرومانية لأمور ادارتها الداخلية، وأسلوب الدوواين، التى لم تكن بعد الدولة الإسلامية الوليدة تعرفه. فاستحدث سيدنا عمر نظام الدووايين والسجلات، لتسجيل الدخل والخرج ورواتب الجند و..

3-وفى عصر هارون الرشيد وكما قلنا أن المسلمين ليسوا فقط يستخدمون الوسائل الحديثة، بل يكونوا سباقين إليها. كما حدث فى عصر هارون الرشيد حينما أهدى ساعة لملك فرنسا ففزع منها وظن أن فيها جآن يحركها

4- الفنون من مسرحية وتمثيلة وفيلم، من تلك الادوات التى أصبحت من لغة العصر، أيضا استوعبها المشروع الإسلامى واستفاد منها وفق ضوابطه وحدوده، فكان مسرح الإخوان المسلمين وتقديمه لمسرحية "جميل بثينة" قديما، وحديثا الفن الراقى الهادف بشتى صوره الدرامية والقصصية والمسموعة والمرئية.

5- الكمبيوتر والإنترنت والفضائيات وكيف استفاد منها المشروع الإسلامى فى توصيل رسالته وصوته للعالم ككل، بعد ان قام المشروع الإسلامى بهضمها وتوظيفها وفق ضوابطه واحتياجاته.
إذا فأن المشروع الإسلامى يستخدم كل معطيات العصر ويطوعها وفق تلك الضوابط العامة التى تكلمنا عنها فى العنصر الثانى ثم يضعها فى يد العنصر الفعال وهو الموارد البشرية الذى تم اعدادها وفق العنصر الأول . ليحقق نهضة ونمو وحضارة حقيقية نحن فى أمس الاحجة لها وفى أشد الاشتياق لشم نسيمها من جديد فى بلادنا الحبيبة مصر وأمتنا العربية والإسلامية.
ليس فقط مشروع يستخدم أساليب النهضة والتكنولوجيا وعناصرها بل هو من يبادر لاكتشافها وتصنيعها وتطويرها. ليخرج من دائرة المستخدم والمتلقى لدائرة الصاناع والمنتج والمبتكر والموزع لضوء حضارته على ربوع العالمين كما فعلت الحضارة الإسلامية سابقا وانتشر ضياؤها على دول أوروبا.

وقد يرى البعض ان ما سبق من خطوط عريضة هو تأكيد لغياب التفاصيل فى المشروع الإسلامى يعيبون على الإخوان عدم وضع تفاصيل للحلول والمقترحات لمختلف قطاعات الدولة ومستوياتها.
ونرد على هذا التساؤل بالتالى:
---------------------------

1- أن سرد التفاصيل يحتاج ولا شك للمعلومات، وفى ظل أوضاع بلادنا الراهنية تعامل المعلومات حتى وان كانت معلومات حق للجميع على أنها أسرار عسكرية لا ينبغى البوح بها او تداولها، مما يعيق على اى مهتم أن يقدم أطروحة متكاملة واقعية فى ظل الضبابية الموجودة وغياب الشفافية فى تداول المعلومات.

2- أن غياب التفاصيل فى بعض الأمور هو أمر إيجابى يعكس أنه ليس للإخوان فكر متحجر جامد تجاه القضايا يحملون المجتمع حملا على اعتناق وتنفيذ أرائهم، بل لدى الإخوان قواعد وضوابط عامة ومتروك للأمة أن تختار ما يناسبها من خيارات واحتمالات فى ظل تلك القيم والمبادئ والضوابط.

3- أن الإخوان قوم عمليون فليسوا معنيين بوضع تفاصيل تنظيرية لكل القضايا، بل يقدمون التفصيلات والبرامج فى أماكن بعينها والتى يحتكون بها ويتقدمون لشغلها كما هو الحال فى انتخابات المجالس النيابية والمحليات، وانتخابات اتحادات الطلاب ونوادى هيئة التدريس، فضلا عن القطاعات المهنية المختلفة كل بحسب وظيفته ودوره، ولذا كان لهم مثلا أدوار ومشاركات متعددة فى تقديم مشاريع قوانين تحت قبة البرلمان فى حين أنهم لم يقدموا تفاصيل تنفيذية كونهم لم يعرضوا نفسهم بعد كبديل للجهات التنفيذية متمثلة فى الحكومة والوزارات.
وقدم الطلاب نموذجا عمليا فى ذلك بتقديهم تصورات وتفاصيل للاتحادات الطلابية وكذلك تقديمهم لمبادرات وتوصيات تضيف وتثرى الحياة الطلابية على مستوى الدراسة والنشاط، فضلا عن مشاركة طلاب الإخوان لغيرهم من الطلاب الناشطين فى صياغة لائحة طلابية تكون بديلا للائحة 79 والتى تم فعليا اقرار بعض بنودها المقترحة فى اللائحة الطلابية الجديدة التى صدرت عام 2007

No comments:

Post a Comment